منتدى للمعرفة و العلوم والثقافة sweetwords
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اهلا اخي اختي لقد شرفتمونا بزيارتكم
اهلا بيكم في منتدانا sweetwords
منتدى للمعرفة و العلوم والثقافة sweetwords
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اهلا اخي اختي لقد شرفتمونا بزيارتكم
اهلا بيكم في منتدانا sweetwords
منتدى للمعرفة و العلوم والثقافة sweetwords
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى للمعرفة و العلوم والثقافة sweetwords

منتدى للمعرفة و العلوم والثقافة
 
دخولأحدث الصورالتسجيلالرئيسية

 

  فى رحاب السيرة النبوية (4)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
jijel_2007




ذكر
عدد الرسائل : 55
العمر : 38
الدولة :  فى رحاب السيرة النبوية (4) Male_a11
تاريخ التسجيل : 29/09/2012

 فى رحاب السيرة النبوية (4) Empty
مُساهمةموضوع: فى رحاب السيرة النبوية (4)    فى رحاب السيرة النبوية (4) I_icon_minitimeالجمعة 5 أكتوبر - 12:29:08

فى رحاب السيرة النبوية (4)


الشرط الثاني : ثبوت الكمال لصاحب السيرة التي تصلح للتأسي والقدوة

تعني أن الشخص الذي نتأسى به لا بد أن يكون تصرفه في الصغيرة والكبيرة هو الكمال المطلق، ولا يوجد هذا على الكمال والتمام إلا في سيرة نبينا محمد صلي الله عليه وسلم ، ولذلك فإنه حين تقدم إلى الناس بدعوته؛ قدَّم لهم نفسه قبل أن يعرض عليهم مبادئ رسالته، وكان أسبقُ الناس إلى الإيمان به أكثرَهم معرفةً به، وقرباً منه، وخبرةً بحاله.

ولفرْط ثقته صلي الله عليه وسلم بنفسه فإنه أذن -بل أمر- كلَّ مَن رأى أو سمع منه شيئاً أن يبلغه للناس، سواءٌ ما صدر عنه في بيته، أو في مسجده، أو في حربه وجهاده، أو في قعر حجراته، وسواءٌ كان من خصوصياته أوْ لا، وسواءٌ كان في حالة ظَفَرٍ وانتصارٍ وقوةٍ، أو في حالة إخفاقٍ وابتلاءٍ وضعفٍ، دون أن يخشى قالةَ السوء عنه؛ لأنه أبعد الناس عن السوء، ليس في حياته ما يُعاب أبداً، لا سراً ولا جهراً.. شخص إذا أردت أن تقول للناس : أنفقوا وتأسَّوْا به في الكرم؛ ستجد في سيرته من القصص الصحيحة ما يؤكد لك أنه لم يسبقه في هذا أحدٌ على الإطلاق.

غيره صلي الله عليه وسلم جادوا بما في أيديهم، لكن النبي صلي الله عليه وسلم جاد بما ليس في يده.. بما لم يكن يملكه بعد!!

فقد أخرج الترمذي في الشمائل المحمدية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن رجلا جاء إلى النبي صلي الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه، فقال النبي صلي الله عليه وسلم: «مَا عِنْدِي شَيْءٌ وَلَكِنْ ابْتَعْ عَلَيَّ (اشتر على حسابي)، فَإِذَا جَاءَنِي شَيْءٌ قَضَيْتُهُ» فقال عمر: يا رسول الله، قد أعطيتَه فما كلَّفك الله ما لا تقدر عليه، فكره النبيُّ صلي الله عليه وسلم قولَ عمر، فقال رجلٌ من الأنصار: يا رسول الله، أنفقْ ولا تخفْ من ذي العرش إقلالا، فتبسَّم رسول الله صلي الله عليه وسلم وعُرف في وجهه البِشْرُ لقول الأنصاري، ثم قال: «بِهَذَا أُمِرْتُ».

كان له خمس المغانم، { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌوَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الأنفال:41)، فالخمس يتصرف فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم حيث شاء، ومع ذلك كان يُنفقه كله، ويبيت الليلة والليلتين والثلاث، وليس في بيته طعام، والشهر والشهرين، ثلاثة أهلة، ولا يُوقَد في بيته نار.

فعندما نتحدث عن كرم رسول الله صلي الله عليه وسلم، لن نجد مثله أحداً.

وعندما نتكلم مثلا عن عفو رسول الله صلي الله عليه وسلم، فمهما قيل عن الناس المشهورين بالعفو كالأحنف بن قيس مثلا: إنه رجل شديد الصبر.. شديد الأناة، وحكوا عنه ما حكوا.. فإننا عندما نتحدث عن عفو رسول ا لله صلي الله عليه وسلم؛ سنجد أنه فوق كل ما يتصور الناس، فقد آذاه الناس وعذبوه وطردوه وأخرجوه من بلده، ولما رجع فاتحا مظفرا، ووقفوا جميعا بين يديه، كما في سيرة ابن هشام قال: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ مَا تَرَوْنَ أَنّي فَاعِلٌ بِكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا أَخٌ كَرِيمٌ وَابْنُ أَخٍ كَرِيمٍ. قَالَ: «فَإِنّي أَقُولُ لَكُمْ كَمَا قَالَ يُوسُفُ لِإِخْوَتِهِ: (لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطّلَقَاءُ».

صلى الله عليك يا رسول الله.. عفو لا يدانيه فيه أحد.

مهما كان الذي أساء إليه، كان صلوات الله وسلامه عليه واسع العفو، حتى المرة التي ضاقت فيها صدورُ أصحابه؛ حين رأوْا كبد حمزة وجسمه قد مُزّق ومُثّل به وبغيره، وَقَالَتْ الْأَنْصَارُ : لَئِنْ أَصَبْنَا مِنْهُمْ يَوْمًا مِثْلَ هَذَا لَنُرْبِيَنَّ-أي لنزيدن- عَلَيْهِمْ. قَالَ أُبَيّ بن كَعبٍ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ فَأَنْزَلَ الله تَعَالَى:{ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} (النحل: 126)، فماذا فعل الحبيب صلي الله عليه وسلم؟ رضي بالصبر، وقال فيما أخرجه أحمد والترمذي وحسنه: «كُفُّوا عَنْ الْقَوْمِ إِلَّا أَرْبَعَةً»، وقال: «نَصْبِرُ وَلَا نُعَاقِبُ» ، وجاءه بعد ذلك قاتلُ حمزة وأسلم، وقبل إسلامه!! فهل رأيت مثل هذا العفو.

وها هو صلي الله عليه وسلم وقد رجع مِنْ بَدْرٍ مُنْتَصِراً، -كما أخرج الطبراني من حديث عروة مرسلا بسند حسن -وَقَدْ قَتَلَ الله تَعَالَى مِنْ قُرَيْش مَنْ قَتَلَ مِنْهُمْ، أَقْبَلَ عُمَيْرُ بن وَهْبٍ حَتَّى جَاءَ إِلَى صَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ فِي الْحِجْرِ، فَقَالَ صَفْوَانُ: قَبَّحَ الله الْعَيْشَ بَعْدَ قَتْلَى بَدْرٍ. فَقَالَ عُمَيْرٌ: أَجَلْ، وَالله مَا فِي الْعَيْشِ خَيْرٌ بَعْدُ، وَلَوْلا دَيْنٌ عَلَيَّ لا أَجِدُ لَهُ قَضَاءً وَعِيَالِي وَرَائِي لا أَجِدُ لَهُمْ شَيْئًا، لَدَخَلْتُ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَلَقَتَلْتُهُ إِنْ مُلِئَتْ عَيْنِي مِنْهُ، فَإِنَّ لِي عِنْدَهُ عِلَّةً، أَقُولُ: قَدِمْتُ عَلَى ابْنِي هَذَا الأَسِيرِ، فَفَرِحَ صَفْوَانُ بِقَوْلِهِ، فَقَالَ: عَلَيَّ دَيْنُكَ، وَعِيَالُكَ أُسْوَةُ عِيَالِي فِي النَّفَقَةِ، إِنْ يَسَعْنِي شَيْءٌ وَنَعْجَزْ عَنْهُمْ.

فَحَمَلَهُ صَفْوَانُ وَجَهَّزَهُ بِسَيْفِ صَفْوَانَ فَصُقِلَ وَسُمَّ، وَقَالَ عُمَيْرٌ لِصَفْوَانَ: اكْتُمْنِي لَيَالِيَ، فَأَقْبَلَ عُمَيْرٌ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ بَابَ الْمَسْجِدِ، وَعَقَلَ رَاحِلَتَهُ، وَأَخَذَ السَّيْفَ لِرَسُولِ الله صلي الله عليه وسلم، فَنَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ، وَهُوَ فِي نَفَرٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ وَقْعَةِ بَدْرٍ، وَيَشْكُرُونَ نِعْمَةَ الله، فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ عُمَيْرَ بن وَهْبٍ مَعَهُ السَّيْفُ فَزِعَ مِنْهُ، فَقَالَ: عِنْدَكُمُ الْكَلْبُ، هَذَا عَدُوُّ الله الَّذِي حَرَّشَ بَيْنَنَا، وَحَزَرَنَا لِلْقَوْمِ (يعني قَّدر عددنا يوم بدر وعرَّف قريشا به) فَقَامَ عُمَرُ، فَدَخَلَ عَلَى رَسُولِ الله صلي الله عليه وسلم، فَقَالَ: هَذَا عُمَيْرُ بن وَهْبٍ قَدْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ مَعَهُ السِّلاحُ، فَهُوَ الْفَاجَرُ الْغَادِرُ يَا رَسُولَ الله، لا تَأْمَنْهُ، قَالَ: «أَدْخِلْهُ عَلَيَّ»، فَدَخَلَ عُمَرُ وَعُمَيْرٌ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى رَسُولِ الله صلي الله عليه وسلم، ثُمَّ يَحْتَرِسُوا مِنْ عُمَيْرٍ إِذَا دَخَلَ عَلَيْهِمْ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ بن الْخَطَّابِ وَعُمَيْرُ بن وَهْبٍ، فَدَخَلا عَلَى رَسُولِ الله صلي الله عليه وسلم وَمَعَ عُمَرَ سَيْفُهُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم لِعُمَرَ: «تَأَخَّرْ عَنْهُ» فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ حَيَّاهُ عُمَيْرٌ: أَنْعِمْ صَبَاحًا، وَهِيَ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم:«قَدْ أَكْرَمَنَا الله عَزَّ وَجَلَّ عَنْ تَحِيَّتِكَ، وَجَعَلَ تَحِيَّتَنَا السَّلامَ وَهِيَ تَحِيَّةُ أَهْلِ الْجَنَّةِ»فَقَالَ عُمَيْرٌ: إِنَّ عَهْدَكَ بِهَا لَحَدِيثٌ. قَالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم: «قَدْ بَدَّلَنَا الله خَيْرًا مِنْهَا، فَمَا أَقْدَمَكَ يَا عُمَيْرُ؟» قَالَ: قَدِمْتُ فِي أَسِيرِي عِنْدَكُمْ، فَقَارِبُونِي فِي أَسِيرِي، فَإِنَّكُمُ الْعَشِيرَةُ وَالأَهْلُ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم: «فَمَا بَالُ السَّيْفِ فِي رَقَبَتِكَ»، فَقَالَ عُمَيْرٌ: قَبَّحَهَا الله مِنْ سُيُوفٍ، فَهَلْ أَغْنَتْ عَنَّا مِنْ شَيْءٍ؟ أَنَا نَسِيتُهُ وَهُوَ فِي رَقَبَتِي حِينَ نَزَلَتُ، وَلَعَمْرِي إِنَّ لِي غَيْرَةً، فَقَالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم: «اصْدُقْنِي مَا أَقْدَمَكَ»، قَالَ: مَا قَدِمْتُ إِلا فِي أَسِيرِي، فَقَالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم:«فَمَا شَرَطْتَ لِصَفْوَانَ بن أُمَيَّةَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ ذَلِكَ»، فَقَالَ عُمَيْرٌ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الله وَأَشْهَدُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الله، كُنَّا يَا رَسُولَ الله نُكَذِّبُ بِالْوَحْيِ، وَبِمَا يَأْتِيكَ مِنَ السَّمَاءِ، وَإِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الَّذِي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَفْوَانَ فِي الْحِجْرِ كَمَا قَالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ أَحَدٌ غَيْرِي وَغَيْرُهُ، ثُمَّ أَخْبَرَكَ الله بِهِ، فَآمَنْتُ بِالله وَرَسُولِهِ وَالْحَمْدُ لله الَّذِي سَاقَنِي هَذَا الْمَقَامَ...» الحديث.

ماذا يفعل أي زعيم مهما كان واسع الصدر، عندما يتمكن ممن يحمل خنجرا مسموما ويريد اغتياله؟!! هل يمكن أن يتسع صدره لمثل هذا العفو الرائع؟!

قد نعرف سيرة زعيم من الزعماء، ويكتب مذكراته مثل فلان وفلان. لكن هل حياة هؤلاء في داخل بيوتهم، ومع خواص أصحابهم بهذا النقاء الذي يحاولون إظهاره؟ كلا؛ فعندما يختلف أحدهم مع صاحبه، تخرج كتب ومقالات بها أشياء لا تُتصور! تكشف لك عن شخصية لا تساوي فتيلا ولا قطميرا.

لكن كلما اقتربت من شخصية الحبيب صلي الله عليه وسلم، تجد الكمال في أبهى صوره.

فهل تتصور أحدًا من الناس أيا كان يقول لكل من يعاملهم، يقول لنسائه في البيت، ولأصحابه الذين يعيشون معه: يجب عليكم أن تنقلوا كل شيء رأيتموه مني!!. لأنه ليس لديه أبدا ما يُخفيه عن الناس. أبدا. تسع نسوة، عشن معه صلي الله عليه وسلم، في وقت واحد، ولم تخرج واحدة تذكر عيبا من عيوبه صلي الله عليه وسلم، لا في حياته ولا بعد مماته. كانوا يتكلمون عما يحدث حتى في الفراش، فلا تسمع من إحداهن شيئا يعاب به صلي الله عليه وسلم على الإطلاق.. بل كلما تحدث الأقربون منه، تحدثوا حديث المعجب المحب الذي لا يرى عيبا أبدا.

هذه أمثلة بسيطة، وهناك العديد والعديد من الأمثلة في كل مجالات العظمة والشموخ، إذا أردت أن تبحث عن الكمال، فلن تجده إلا في الحبيب صلي الله عليه وسلم.

وليس معنى هذا أن الأنبياء لم يكونوا كذلك. لا، فقد كانوا جميعا في أعلى درجات الكمال، ولكن لم يثبت عندنا من قصص الأنبياء في كل المجالات ما يكفي من القصص الثابتة لتقديمه لكل الناس ليتأسوا به، ولكن هناك العشرات من القصص عن الحبيب صلي الله عليه وسلم، في كل خلق من الأخلاق.

أعداؤه لا يجدون له عيبا: كلنا نعلم أن قومه وأعداءه-مع استفراغهم جهدهم في محاولة الوقوف على دخيلة من دخائله، أو على شيء يؤاخذونه به -لم يظفروا بشيء، حتي السنوات الأربعون التي قضاها بين مشركي مكة قبل البعثة، يعاملهم في أمور الحياة ليلاً ونهار، اجتازها الرسول صلي الله عليه وسلم وخلص منها سالما نقيا، لم يُصِبْه شيءٌ مما يصيبُ عامة الناس، حتى لقبوه «الصادق الأمين»، ومع شدة خلاف قريش له، وسلوكهم كل سبيل في محاربته وإيذائه، فإنهم لم يستطيعوا أن يقولوا شيئا في أخلاقه وصدقه وأمانته، بل كانوا يستودعونه أماناتهم. فكانت أحواله وشؤونه وهديه ظاهرةً لجميع الناس، استوى في ذلك أحباؤه وأعداؤه، ولم يَخْفَ عليهم شيءٌ من أمره.

لما جاءته الرسالة، عرض عليهم نفسه قبل أن يعرض رسالته، فقال -فيما أخرجه البخاري-وقد صَعِدَ عَلَى الصَّفَا ونَادَى عَلَى بُطُونِ قُرَيْشٍ: «أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟» قَالُوا: نَعَمْ مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا، قَالَ: «فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ» الحديث.

هذا قبل النبوة، لم يجربوا عليه الكذب؛ ولذلك تجد أن هرقل كان ذكيا، عندما تسلم كتاب رسول الله صلي الله عليه وسلم، الذي يدعوه فيه إلى الإسلام، فطلب من أعوانه أن يبحثوا عن رجل من قريش أو من العرب ليسأله عن محمد، فوجدوا أبا سفيان، فجاءوا بأبي سفيان، وقال هرقل لأصحاب أبي سفيان: إِنِّي سَائِلٌ هَذَا الرَّجُلَ عَنْ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَإِنْ كَذَبَ فَكَذِّبُوهُ.وسوف أقص عليكم جزئية واحدة من الحوار الطويل الذي دار بين هرقل وأبو سفيان.

هرقل يسأل أبا سفيان، ويقول له: كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ عَلَى الْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ قال أبو سفيان: لَا. فعاد هرقل ليقول: سَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ؟ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا؛ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ وَيَكْذِبَ عَلَى الله. وهذا الحديث أخرجه البخاري .

فبلغ رسول الله صلي الله عليه وسلم الكمال في كل شيء، ولذلك يقول بعض المستشرقين: أعظم معجزة لهذا النبي هي حياته؛ لأنها مكشوفة للشمس وليس عنده ما يُخفيه. بينما أي زعيم أيا كانت صفاته الطيبة عندما تقترب من أي من القريبين منه، يتأكد لك أن هناك نقصا شديدا في أمور أخرى.

حياته مكشوفة: بلغ الحبيب محمد صلي الله عليه وسلم الكمال في كل شيء؛ فكانت حياته وسيرته مكشوفة، حتى بعض الأشياء التي فعلها وعاتبه الله عليها لم يكتمها.

أنتم جميعا تعرفون قصة السيدة زينب بنت جحش، لما جاء زيد بن حارثة إلى رسول اللهصلي الله عليه وسلم وقال له: يا رسول الله!، أريد أن أطلق زينب!! والله عز وجل أخبره صلي الله عليه وسلم أن زيدا سوف يطلقها وستتزوجها، والرسول صلي الله عليه وسلم يقول: يا زيد! أمسك عليك زوجك واتق الله. فينزل القرآن الكريم: {إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً} (الأحزاب: 37).

تقول السيدة عائشة ويقول سيدنا أنس في هذه الآية-فيما أخرجه البخاري ومسلم-: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ صلي الله عليه وسلم كَاتِمًا شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الْآيَةَ.

وموقف آخر، عندما يعاتبه الله تعالى في القرآن الكريم على ما فعله مع ابن أم مكتوم الأعمى، فيقول عز وجل: {عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَن جَاءهُ الأَعْمَى} (عبس: 1-2) فإنه يخرج فيخبر الناس بهذه الآية،كما في حديث الترمذي عن عائشة . ليس عنده ما يخفيه، فكل حياته من أولها إلى آخرها كمال في كمال.

حياته في الجاهلية معصومة:حتى عندما هَمَّ صلي الله عليه وسلم -قبل البعثة- ببعض ما كان أهل الجاهلية يفعله من اللمم ؛ عصمه الله من ذلك.

فقد أخرج البيهقي في الدلائل بسند حسن وصححه ابن حبان والحاكم والذهبي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول: «مَا هَمَمْتُ بِشَيْءٍ مِمَّا كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَهُمُّونَ بِهِ إِلَّا لَيْلَتَيْنِ، كِلْتَاهُمَا عَصَمَنِي اللهُ تَعَالَى فِيهِمَا...» الحديث في نزوله مكة مرتين للسمر، ونومه حتى أيقظته الشمس، إلى أن قال: «فَوَاللهِ مَا هَمَمْتُ، وَلَا عُدْتُ بَعْدَهَا لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى أَكْرَمَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِنُبَوَّتِهِ».

هذا هو الكمال، ولن تجد سيرة في التاريخ بلغ صاحبها الكمال في كل شيء إلا سيرة الحبيب المصطفى صلي الله عليه وسلم، ولهذا هي السيرة الوحيدة التي تصلح أن تكون قدوة، أما سِيَر غيره من الأنبياء والعظماء والكبراء فيستحيل أن تجد أحدا -لا في التاريخ ولا في الواقع- يصلح أن تكون حياته كلها قدوة، وقد بلغ الكمال في كل المحاسن إلا رسول الله صلي الله عليه وسلم.

قد تجد أحدهم تقدّم في جانب من الجوانب، ولكن في جانب آخر لا بد أن يكون هناك تقصير.

وقد تجد عن بعض رسل الله -صلوات الله عليهم أجمعين- بيانا لبلوغهم الكمال في جانب من الجوانب، فإبراهيم بلغ الكمال في تسليمه المطلق لله عز وجل، وهذا يجب أن نتأسى به فيه، لكن عندما نبحث في جانب آخر، وأقول مثلا: كيف يكون التاجر مقتديا بسيدنا إبراهيم عليه السلام؟ فلن أستطيع أن أحصل على سيرة لسيدنا إبراهم نقتدي به فيها في تجارته، مع التأكيد أنه كان أحسن الناس في معاملته، ولكن لم يبلغنا عنه قصة نستطيع أن نقتدي بها فيه. ولكنك تجد في سيرة الحبيب صلي الله عليه وسلم، ما تقتدي به في كل شيء، ففي تجارته مثلا، يقول السَّائِب بن أبي السَّائِبِ رضي الله عنه-فيما أخرجه أبو داود-: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم،َ فَجَعَلُوا يُثْنُونَ عَلَيَّ وَيَذْكُرُونِّي، فَقَالَ رَسُولُ الله صلي الله عليه وسلم: «أَنَا أَعْلَمُكُمْ» يَعْنِي بِهِ، قُلْتُ: صَدَقْتَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! كُنْتَ شَرِيكِي، فَنِعْمَ الشَّرِيكُ كُنْتَ لَا تُدَارِي وَلَا تُمَارِي.

تجارته حتى قبل بعثته في مال خديجة رضي الله عنها، يحكي من كان معه، كيف كان صلي الله عليه وسلم نقي اليد، حسن المعاملة في تجارته.

وهكذا في كل الجوانب تجد كمالًا مطلقًا.

أ.د. عبد الرحمن البر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
فى رحاب السيرة النبوية (4)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى للمعرفة و العلوم والثقافة sweetwords :: المنتديات الإسلامية :: الحديث والسيرة النبوية-
انتقل الى: